الاثنين، 1 يونيو 2015

باروخ سبينوزا والماركيز دو ساد: كاتي يونغ


ترجمة: محمّد غيث الحاج حسين


Baruch Spinoza


تتقصّى هذه الورقة بعض الاختلافات والتشابهات بين فيلسوفي التنوير الراديكاليين باروخ سبينوزا والماركيز دو ساد، عبر مناقشة ثيمتين رئيسيتين من فلسفتهما، مفاهيمهما الميتافيزيقية عن الله والطبيعة، والأفكار حول الدين والأخلاق. من خلال المقارنة بين سبينوزا ودو ساد نقع على اختلافين اثنين، علاوة على ذلك نقع على مفاهيم مرتبطة بانبثاق العالم من البيئة الفلسفية للتنوير الراديكالي في أوربا.
اشتهر المركيز دو ساد بسبب أعماله الغروتسكية، الشائنة، وأعماله الداعرة التي عرفت فيما بعد بالسادية. سمعته كشخص دنيء وكريه، التي أول ما قدمت في مجتمعه، التصقت بعقول الكثير ممّن يسمعون باسمه اليوم. ولكن ما لا يعرفه الناس اليوم هو أنه يقف كمثال رائع على فلسفة التنوير معتمداً على عمل مفكّري التنوير الراديكاليين الرئيسيين، من أمثال باروخ سبينوزا. نحن نعلم أنّ دو ساد كان مطلعاً بشكل جيّد على مفكّر من طراز سبينوزا، فغالباً ما كانت شخصيات دوساد الخليعة، تمتلك وجهات نظر فلسفية، وتذكر سبينوزا وزملائه بالاسم كأمثلة على فكر رائع وعميق (بلوخ 2007، 5).
سأقارن في هذه الإضاءة بين فلسفة المركيز دو ساد وباروخ سبينوزا. وسأرسم أربعة خطوط رئيسية للمقارنة تبدأ بالتصورات الميتافيزيقية عن الله والطبيعة، لأصل إلى استنتاجات كلا الرجلين بالنسبة إلى الدين والأخلاق. هذا التحليل سيتطوّر من خلال قراءة خاصة لكتاب المركيز دو ساد "الفلسفة في المخدع" (1795)، وكتاب سبينوزا، "مقالة في اللاهوت السياسي" (2004)، وكتاب ستيوارت هامبشير "سبينوزا والسبينوزية" (2005). في مقارنة هذه الأعمال سأحاول أن أسلط الضوء على تأثير فكرة التنوير الراديكالي على الجانب التنويري في فلسفة الماركيز دو ساد. أبدأ بفحص تصورات المركيز دوساد عن الله والطبيعة قبل الدخول في مسألة كيف يمكن أن يُرى أثر سبينوزا، بالإضافة إلى تعليقاته المفترضة حول فلسفة دو ساد.
أولاً وقبل كل شيء فإنّ دو ساد ملحد ومادّي (Bloch 2007, 117). هو ينكر أيّ ذكر لله، وبالذات "الله" كما تقدّمه الكنيسة المسيحية. في غياب الله، يجب أن تأخذ الطبيعة دور الخالق، وأيضاً كما سنرى لاحقاً، دور الوسيط في الأخلاق. ينبذ دو ساد، ويشبه سبينوزا في ذلك كثيراً، الربّ المسيحي «قمّة العقل الإنساني، ليس سوى الشبح خلق هذا العقل ليطور عملياته فقط» (دو ساد 2007، 22). دوساد لن يعترف بالله حتى يثبت العقل والمنطق وجوده، الأمر الذي يراه مستحيلاً. هذا الإنكار للربّ المسيحي كمادّة للعقل، يعطي الدليل على تأثير سبينوزا الفكري على دو ساد، ولكن يضعه بثقة في التنوير، بتركيزه على العقل الإنساني كاختبار مطلق للحقيقة.
يتابع دو ساد في دعم استنتاجاته. فهو يحدّد غاية الله وحضوره في العالم، بقوله إن الله إن كان موجوداً فسيكون مفيداً فقط، في بداية كل شيء ليضع الأشياء في الحركة، كونه المحرّك الأول. حالما ينتهي من هذا الفعل سيكون ملغياً بالنسبة لمخلوقه، من خلال فضيلة الحركة والقوة المبدعة المتأصلة في الطبيعة (دو ساد، 207، 22). الافتراض بوجود ربّ راسخ كما تحاجج الكنيسة، سيبدو رسوخه "مقيتاً" بالنسبة للبشر الراشدين، فالسماح للشيطان بتهييج العالم بقدرته الكلية يمكنه من التدخل بسهولة. لماذا، هو يسأل، يعبد الإنسان خالقاً مرعباً كهذا؟ فكرة أنّ الشيطان موجود في العالم، أو في الحدّ الأدنى الظلم، تدعم حجة دو ساد ضدّ الله. إن كان كاملاً، فإنّ ألوهيته يجب أن تكون كذلك، وسوف لن يقبل الظلم في العالم. على أية حال وكما يرى الكثيرون، فالطبيعة غير عادلة في كثير من الأحيان؛ هذا الصراع سوف يضع الله في كفاح راسخ ضد الطبيعة، منكراً وضعه كخالق ثابت (22).
هنا يحيلنا دو ساد، وبشكل خاص جداً، إلى تأثير سبينوزا. فهو ينكر بشكل مباشر إمكانية أن يكون الله والطبيعة من جوهر واحد، المبدأ الذي يشتقّ منه كل نظام سبينوزا الميتافيزيقي (Hampshire 2005 40)  دو ساد يؤكد أن هناك جوهرين في الكون (رغم أنه لا يشير إليهما مباشرة كجوهرين، ولكن كأشياء): "الخالق والمخلوق" (دو ساد 2007، 22). التحدي الوحيد هو تبيان ماهية الخالق، كشيء غير الله، يدعى الطبيعة.
القدرة المتأصلة في الطبيعة (كما يشير سبينوزا أيضاً) تسمح لها أن تخلق وتعالج المسألة دون حاجة إلى "عنصر غريب" أو إله (دو ساد 2007، 22). في الطبيعة يمكن لنا أن نتحقق من أسباب وتأثيرات تغيراتها، بما يسمح "لنزواتها" أن تكون معروفة من قبلنا. هذا الأمر مقترناً بموقفنا، كجزء من الطبيعة، يسمح لنظامها أن يُدرك من قبل العقل الإنساني. مع الله، ليست تلك هي المسألة. البشر لليوم لم يفهموا جميع المسائل في العالم، ولكن أن تكون الطبيعة سبباً حدسياً ومستمراً للتغير في العالم هو من الناحية المنطقية أكثر قابلية للإدراك من الإله كخالق. «كيف تريد مني أن أعترف بشيء لا أفهمه، شيء لا أعيه تماماً؟» (23). العقل والمنطق هما المفتاح المعياري لفحص ادعاءات من يزعم أنه الخالق الأصلي. دو ساد حين يركز على العقل والمنطق ويؤكد على أن الطبيعة يمكن أن تفهم منطقياً، فإنه متأثر بسبينوزا والتنوير الراديكالي. (للاطلاع على وجهة نظر سبينوزا، انظر هامبشير 41) على أية حال فإن تأكيده على ثنائية الخالق / المخلوق تكشف عن حالة دو ساد كمفكر تنويري رفيع.