السبت، 30 يناير 2016

دستويفسكي ضدّ الماركيز دو ساد: جون آتاريان



ترجمة: أسماء القناص


Fedor Dostoievski by Séverine Scaglia
كان الماركيز دي ساد (1740-1814)، الفاجر، المُنحرف والإباحي، شخصيةً مِحورية في الفكر الغربي. قدّمت رواياته مثل: "جوستين" (1791)، "الفلسفة في المخْدَع" (1795)، "جولييت" (1797) ولأول مرّة الفلسفة العَدمية مُوضحةً كُل ما يترتب عليها من شُرور.
لقد تدفقت فلسفة ساد من تضخّم الأنا، مما دفعهُ إلى التطّرف الشديد في مُحاربة الإيمان. إن عدم وجود الله يجعل من الكون مُجرد طبيعة مادية بحتة، آلية تشغيل ذاتي «الحركة الدائبة للمادة تُفسر كل شيء». إن البشر مُجرد آلاتٍ تتملصُ من المسؤولية الأخلاقية، وطالما لا توجد حياةٌ أخرى، فإن سلوككَ غيرُ مُهم، سواء كُنت مُنحرفاً، أو فاسِداً. تُؤكد الأعرافُ المحلية أن الأخلاق نِسبية، وتختلِف باختلاف الثقافة، والجغرافيا، وبالتالي مُبتدعة. الطبيعة وحدها هي دليلُنا الأخلاقي، ومُذْ تبنّت الطبيعة مَسألة خلِق حيوات جديدة من أشكالِ الحياة الميتة، أصبحتْ أهميةُ البشر لا تعلُو عنِ الحشرات، جميعُهم سواسية. استخدمَتْ الطبيعة الجرِيمة، التدمير، والموت ضرورةً ومُتعةً لها، لذلك يكونُ القتلُ أمراً طيّباً، والسفّاح هو أسمى صورة من صور البشرية.
لقد وُلد الفردُ وحدهُ، وهو المُهم فقط، لا وجود إلا لدوافِعه الأنانية، وبدون أية التزامات لأحد. كُل فرد مُحرّض ضِد الآخرين «أُمتّع نفسي بغض النظر عنِ الحساب». الفردُ يميلُ بطبيعته إلى الهيمنة، وإلحاق الألم بالآخرين، وهذا ما يُمتعه، لذلك الناسُ العادية ليست إلاَّ كائنات نَفعية، لُعبةٌ بيد الأثرياء، الأقوياء، والإلهيون. أولئكَ الذين لا يمنحُون الحُب على الإطلاق. يكون الجمالُ، والبراءة، مُلهماً للقسوة، والتصرفاتِ الشيطانية. منذُ جعلت المادية المُتعة تتناسبُ طردياً مع الإثارة، بقدر ما كُنتَ قاسياً، بقدر ما تستمتع. لذلك فإنّ الأنانية، التطرّف، والقسوة هي المسارُ الصحيح.
إذا لم يكُن هناك إله، جحيم، لا حق، ولا باطل، وبدون أية مسؤولية أخلاقية، فلا وجود لمعنى يتجاوزُ حدود المُتعة، ثم يكون الوُجود بأكملِه، بلا أية معنى أو قيمة. لا شيء مما تفعلهُ يبدو مُهماً، والآخرون يفقدون قيمتهم، ما تفعله معهم، ولهم لا يعني أية شيء. إن العدمية تُحرّرنا، وعندها يُصبحُ كل شيء مسموحاً.
سوّغ ساد باستمرار الأنشِطة الجنسية الأكثر انحطاطاً، وتفسخاً، وقام بتبرير كُل جريمة تتضمن القتل، وأكلَ لُحوم البشر. لقد قاد الضجر، والنهم ساد لأبشع الجرائم التي بلغت ذروتها في المجازِر، حتى أن جرائمهُ الغارقة في الشر جعلتْ مِن التوبةِ، والاستقامة أمراً مُستحيلاً. وبسبب عجزِ الواقع عن إشباع رغباته اللامحدودة، الرغباتُ المتلهفة نحو الدمار الشامل، أصبح الإحباط، والسخط حليفاً له.
بما أن دينامية الشر، ووجهات نظر ساد في القسوة، والقتل تُشير إلى أن العَدمية في نهاية المطاف شيطانية لا أكثر، ولا تحتوي إلا على تدنيس للمُقدسات، إدانات مسعُورة لله، والمسيحية، والمُمارسات الشيطانية بما فيها السوادُ الذي يَطغى روايات ساد، حيثُ المركز الوحيد هو التمرّد، والسعي للتفوق عن طريق الشر، والسيادة.
أثّر ساد بشكل واضِحْ على الكُتّاب الرومانسيين، والمنحلين أمثال: تشارلز بودلير، جوستاف فلوبير، ألغرنون سوينبرن وراشيلد. لقد أخبرُهم ساد ما أرادوا سماعه، وسَعتْ فلسفتهُ لتحريرهم، وحثّهم على الانغماس، والتعبير عن هوسهم في القسوة، والانحراف، لذلك ساهَم ساد بشكل جلي في تفشّي هذا المرض في الفكر، والثقافة الغربيين.