الأربعاء، 27 مايو 2015

براهين ساد: موريس بلانشو

 ترجمة حسين عجة         
       

Sophie Sainrapt - Femme asiatique
       ظهرت قصة جوستين أو مآسي الفضيلة ثم أعقبتها قصة جولييت، أختها في عام 1797، في هولندا. سرعان ما شعر العالم بفزع من هذا العمل الضخم، المكوّن من أربع آلاف صفحة، والذي أعاد الكاتب كتابته أربع مرات وبالتالي توسّع حجمه؛ عمل متواصل ولا نهاية له. وإذا كان ثمّة من جحيم في المكتبات، فهو قائم في هذا الكتاب. كذلك يمكن القول إنه لم يتضمّن أدب أي زمان عملاً فضائحيّاً مثله، وليس هناك من مثيل له في تجريحه العميق لمشاعر وأفكار الناس. مَنْ الذي بمقدوره اليوم مضارعة ساد في إباحيته؟ أجل، يمكننا طرح ادعاء كهذا: لم يُكتب أبداً أي عمل أكثر فضائحية منه. ألا يشكل هذا مبرراً للاهتمام به؟ لدينا حظ اللقاء بعمل لم يوفق أيّ كاتب، في أية لحظة، في الذهاب بمغامرته أبعد منه؛ وهذا يعني أننا نمتلك بمعنى ما، وتحت إمرتنا تقريباً، مطلقاً حقيقياً (un véritable absolu)، في عالم لا يعير الأدب سوى اهتمام نسبي، ومع ذلك، لا نحاوره؟ ولا نتخيّل حتى مُساءلته عمّا يجعله غير قابل للتخطّي، وما العنصر الأشد تطرفاً فيه، الذي يجعله عصيّاً إلى الأبد على الإنسان؟ عدم اكتراث غريب. أو لن تكون الفضيحة خالصة إلا بفضل عدم الاكتراث هذا؟ فإذا ما تأمّلنا التدابير التي اتخذها التاريخ لجعل ساد لغزاً خارقاً، وإذا ما تخيّلنا الأعوام السبعة والعشرين التي قضاها في السجن، أي ذلك الوجود المُغلق والمُحرّمِ، حينما لا يطال الحبس حياة المرء وحسب، وإنما مجرد بقائه حتى، إلى حدّ يصبح فيه إخفاء عمله بمثابة الحكم عليه، وهو ما زال حيّاً، بالسجن الأبديّ، حينئذ يتساءل المرء إذا ما كان المراقبون والقضاة الذين أرادوا دفنه بين الجدران قد وضعوا أنفسهم بالأحرى في خدمة ساد، وبأنهم حقّقوا بهذا الأماني الكبرى لدعارته (son libertinage)، هو الذي طالما حلم بالعزلة في أحشاء الأرض، ضمن غرابة وجود تحت أرضيّ ومنزوٍ. لقد صاغ ساد، عبر عشر طرق، فكرة أن التجاوزات الكبرى للإنسان تقتضي السريّة، العتمة والهاوية، وكذلك عزلة زنزانة لا يمكن اختراقها. والحالة هذه، من الغرابة أن يصبح حرّاس الأخلاق أنفسهم، أي أولئك الذين حكموا عليه بالمنع، متواطئين مع أقوى أشكال اللاأخلاقية (immoralité). فأم زوجته، السيدة مونتري (Madame Montreuil) المحتشمةِ، التي حكمت على حياته بالسجن، قد جعلت من تلك الحياة عملاً رائعاً للعار (infamie) والفسوق (débauche). وإذا ما زالت جوستين وجولييت تبدوان لنا، بعد مرور العديد من الأعوام، الكتاب الأشدّ فضائحية الذي يمكن قراءته، فلأن قراءته مستحيلةً تقريباً، وكذلك لأن الكاتب، الناشرين، والأخلاق العامة (Morale universelle)، قد اتخذوا كلّ التدابير بغية أن يظل الكتاب سرياً، ولا يمكن قراءته (illisible) أبداً، لا يُقرأ بحكم سعته، تركيبه، تخمته ومن جانب صرامة توصيفاته وضراوة فحشه أيضاً، التي لا يمكنها سوى دفعه بعجالة نحو الجحيم. كتاب فضائحيّ، لأنه ليس بمقدور المرء الاقتراب منه، ولا يمكن لأحد جعله كتاباً شعبياً. لكنه كتاب يظهر أيضاً بأنه ليس ثمة من فضيحة، إذا لم يكن هناك إجلال (respect)، وحيثما تكون الفضيحة خارقة، يكون الإجلال في ذروته. منْ الذي يتمتع بإجلال أكبر من ساد؟ كم هو اليوم عدد أولئك الذين يعتقدون بعمق أنه يكفيهم الاحتفاظ بين أيديهم للحظات بذلك العمل الملعون (œuvre maudit) لكي يتحقق القول الغروريّ لـ روسو: كلّ فتاة تقرأ صفحة واحدة من ذلك الكتاب سوف تضيع؟ يشكل إجلالاً كهذا قطعاً كنزاً بالنسبة للأدب والحضارة. كذلك لا يمكن للمرء منع نفسه من الجهر بحذر لكلّ الناشرين والمعقبين في الحاضر والمستقبل عن الأمنية التالية: في ساد، احترموا على الأقل الفضيحة.

الأحد، 24 مايو 2015

حين يصير تاريخ الفن ساديّاً: آني لو براه ولورانس دي كار

حاورتهما: فلوريل غييوم
ترجمة: حمو بوشخار   
 

                                                              

* أي صلة تقيمينها بين كتابات ساد والفنون البصرية؟

آني لو براه: كل منهجية ساد تقوم على طرح سؤال غير قابل للتمثيل (l’irreprésentable) المرتبط بالرغبة. التي تعد واحدة من اﻻنشغالات العظمى لتاريخ التمثيل. بقول ما ﻻ نريد رؤيته، سيحتم ساد القرن 19 على كشف ما ﻻ نعرف قوله بعد. هذا هو الحبل الرابط لهذا المعرض.

لورونس دي كار: تأخذ بالنسبة لنا، مسألة التأثير الباطني لفكر ساد في اﻻعتبار اﻻنقلابات التشكيلية والأسلوبية العظيمة للقرن 19 ولجزء كامل من القرن 20 . يوجد هنا تشكيك في المعايير التي هيمنت لقرون عدة والتي أخذت في اﻻنهيار بالإنطلاق من نهاية القرن 18. لقد انسحبت في تلك الفترة، اﻻدعاءات الدينية والأسطورية. وصارت مسألة حدود التمثيل مركزية. إنها واحدة من رهانات الحداثة.

آني لو براه: بالإنطلاق من صورة الجسد، كيف نجسد هذه القوى التي ترجّنا. الرغبة والعنف، هذا الذي نسميه شراً؟ لأنه إذا تمت مرة خلخلة التصور المسيحي للعالم وكذا أجهزته ﻻحتواء ما يستطيع الإقلاق، فالبلبلة هي في نهاية القرن 18، كانت كذلك ضخمة كالحرية التي تترتب عن ذلك. وساد بطريقة متميزة يوضح كل الرهانات.

السبت، 9 مايو 2015

التمرّد، جنون الكتابة: موريس بلانشو

ترجمة: جورج أبي صالح
مراجعة: فريق مركز الإنماء القومي
       
1- قراءة ساد صعبة، إنه واضح، سَلِسَ الأسلوب، وذو لغة صريحة. إنه ينشد المنطق؛ يفكّر، ولا يهتم إلاّ بالتفكير؛ وهذا العقل، الخالي من الأحكام المسبقة، يتكلّم ليُقنع، وبالاستعانة بالحقائق التي يعطيها شكلاً عاماً، والتي تبدو له بديهية إلى حدّ أن كلّ اعتراض يُعزى بقوة إلى اعتقاد باطل. إنه يصبو إلى العقل، وبالعقل يهتم، بعقلٍ يقترحه على الجميع وسيكون موافقاً للجميع.
أظن أنه لا ينبغي نسيان ذلك أبداً، أي علاقة ساد هذه بعقل ما [من هنا الطابع البرهاني لأقل كتاباته والذي يهزأ به الواعظون]. وكيف ستنساه القراءة، وهي تصادف حالاً هذا الطموح، هذا الشرط المعقول، إنما كيف لا تنساه، وهي تصادف حالاً كل ما يلزم لدحضه: التناقضات الأكثر وقاحةً، حجج تنقلب، قضايا لا تصمد، تنافر أمانٍ ومبادئ نتفاجأ بها إما بشدّة وإما شيئاً فشيئا؟ يستطيع كلّ واحد أن يختبر ذلك بنفسه. ولن أذكر غير مثل عام واحد مقتبس من الكتيّب المشهور(1). ففي الجزء الذي يعالج موضوع الدين، يطالب المؤلَّف باستبعاد هذا الأخير إذا أردنا أن يكون عندنا مواطنون صالحون وآباء صالحون وأزواج صالحون؛ أمّا المبرّر الذي يثبت ذلك فهو أن رجالاً مذعورين، جهلة وأذلاّء، كما هم جميع المؤمنين، لا يستطيعون القيام بواجباتهم المدنية لكونهم قد فقدوا كلَّ إحساس بالحرية. لكنه، في الجزء الثاني، يوصينا بمثال مختلف تماماً، وإذا به يقترح علينا أولاداً بلا أب ويقرّ شيوع النساء وشيوع الرجال ويلغي العائلة أخيراً، وبتأكيد قوي يقول: «لا تتصوّروا أن تصنعوا جمهوريين صالحين ما دمتم تعزلون الأولاد الذين ينبغي ألاّ ينتموا إلاّ إلى الجمهورية داخل عائلاتهم». حسناً، ها قد اقتنعنا. لكننا في موضع آخر أو في الوقت ذاته، نتبيّن فكرة مختلفة كلياً: أولاد بلا أب، نعم، إنما ليس من أجل رفعة الجمهورية بل من أجل سهولة الفسق؛ النساء الشائعات للرجال [والرجال الشائعون للنساء]، ليس من أجل شيوعية شريفة للأعراف إنما لتيسير الاستمالة إلى البيوت المخصَّصة للدعارة؛ أما العائلة، فإذا كنّا لم نعد الآن مستعجلين لإلغائها، فذاك للحفاظ بوجه أفضل على الزنا، كما على كلّ الانحرافات التي ستزول معه، بدءاً بارتكاب المحارم الذي يكتب عنه ساد بدعابة خفيّة خاصة به: «أسمح لنفسي بأن أؤكد بأن ارتكاب المحارم يجب أن يكون قانون كلّ حكم يكون الإخاء أساسه». لنتوقف هنا. فإن قارئاً سوف يلقي الكتاب من يده مقتنعاً بخرق مؤلِّفه؛ بينما سيحتفظ به قارئ آخر بسبب هذا الخرق. وأعتقد أنهما سيكونان كلاهما على خطأ. ربما كان ساد مجنوناً مثلما لابدّ أن نكون جميعاً في أوقاتنا الليلية الحلوة، غير أن ما يكتبه لا يقع تحت طائلة هذا الحكم. والدليل هو أننا معرّضون لطريقة في الفهم تفوتنا، ومع ذلك تجذبنا. بسبب ذلك، فإننا، رغماً عنّا وعلى الرغم من رغبتنا في منطق بسيط، نستأنف القراءة، مجذوبين بحركة لن تتوقف من بعد.

الخميس، 7 مايو 2015

إِضَاءَاتٌ: الْـمَارْكِيـزْ دُو سَادْ

انتخاب وترجمة: رَشِيدْ وَحْتِي

Marquis de Sade by Boris Hergesic




Ce n’est point ma façon de penser qui a fait mon malheur, c’est celle des autres.
لَيْسَتْ طَرِيقَتِي فِي التَّفْكِيـر هِيَ الَّتِي تَسَبَّبَتْ فِي مَأْسَاتِي، بَلْ طَرِيقَةُ الْآخَرِينَ.
*
Quand l’athéisme voudra des martyrs, qu’il les désigne, et mon sang est tout prêt.
إِنِ احْتَاجَ الْإِلْحَادُ إِلَى شُهَدَاءَ، فَلْيُعَيِّنْهُمْ، وَدَمِي فِي أَتَمِّ الْاسْتِعْدَادِ.
*
Tout est bon quand il est excessif.
كُلُّ شَيْءٌ جَمِيلٌ حِينَ يَكُونُ مُسْرِفًا.
*
Je suis l’homme de la nature avant d’être celui de la société.
أَنَا إِنْسَانٌ يَنْتَسْبُ إِلَى الطَّبِيعَةِ قَبْلَ أَنْ أَنْتَسِبَ إِلَى الـمجْتَمَعِ.
*
Voir, c’est croire; mais sentir, c’est être sûr!
أَنْ تـرى يَعْنِي أَنْ تُؤْمِنَ؛ لَكِنْ أَنْ تُحِسَّ، فَيَعْنِي أَنْ تَتَيَقَّنَ!
*
Tout le bonheur des hommes est dans l’imagination.
كُلُّ سَعَادَةِ الْبَشَرِ تَتَجَلَّى فِي الـمخُيِّلَةِ.
*
Tous les hommes sont fous, et qui n’en veut point voir doit rester dans sa chambre et casser son miroir.
كُلُّ الْبَشَرِ مَجَانِينُ، وَمَنْ لَا يـريدُ أَنْ يَنْتَبِهَ إِلَى ذَلِكَ أَبَدًا فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَبْقَى فِي غُرْفَتِهِ وَيَكْسِرَ مِرْآتَهُ.