الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

أصول التعذيب في الأدب: برناردت ج. هروود



ترجمة ممدوح عدوان

Sculpture by Olivier de Sagazan
في كل عام تظهر كمية هائلة من القصص التي تعالج، ولو جزئياً، الوحشية الجسدية. وعلى الرغم من أن السادية- المازوشية قد لا تكون في صلب الموضوع إلاّ أنها تكون متوفرة في نسبة كبيرة من القصص. وأحد الأدلّة على ذلك يبدو في عدد المبيعات الهائل لما يسمى مدرسة الكتابة البوليسية الواقعية. إن شعبية الملف الأدبي تعكس ذوق المجتمع. فالذين لا يستطيعون، لسبب أو لآخر، أن يخلقوا الجحيم الذي يتوقون إليه، يشبعون رغباتهم في العالم الخيالي للكتب وأفلام السينما والتلفزيون.
وكل من يستطيع القراءة هذه الأيام صار على صلة بكلمتي السادية والمازوشية. وما لا يعرفه إلا القلة أن كلاً من التعبيرين يمدّ جذوره العميقة في عالم الأدب. ولقد اشتقت الكلمتان من إسمي نبيلين أوربيين هما الكونت دوناتييه ألفونس فرانسوا دو ساد والفارس ليوبولدفون ساشر مازوش. ومن المستحيل البحث في الجوانب الأدبية للتعذيب دون التنقيب عن دو ساد الفرنسي وساشر- مازوش النمساوي وليس فقط أن كتاباتهما تمثل الحد الأقصى المتطرف من حالة شذوذ جنسي محدودة بل إن قصتي حياتهما الشخصيتين تساهمان في توضيح كيف أن اسميهما قد اندرجا بين التعبيرات العلاجية السريرية.
ولد الماركيز دو ساد في الثاني من حزيران عام 1740 في احدى أبرز العائلات في وسط النبلاء الفرنسي. ولد معه لقب ماركيز ثم ورث لقب الكونت بعد موت والده. إلا انه وقد كون شهرته قبل موت الأب فإن اللقب الأول أكثر شيوعاً. وكان عدد من أسلافه قد أرسوا مكانة متميزة للعائلة كرجال دين وأبطال عسكريين ورجال دولة. وما من شك أن أشهر أسلافه جدته ني القرن الرابع عشر لورا دونوف التي خلدها بترارك في شعره ثم أصبحت زوجة هيغو دوساد مؤسس العائلة.
قضى المركيز الصغير السنوات الأربع الأولى من حياته مع أمه، وهي ابنة أخ الدوق دوريشيليو سيء الصيت ووصيفة الأميرة دو كوندي من آل بوبورن. وأفسد دوناتيين، الطفل الجميل ذو الشعر الذهبي الطويل والعينين الزرقاوين الواسعتين والتفاصيل الدقيقة بالتدليل والملاطفة اللذين كان يجدهما عند كل من حوله. لم يكن ليمنع عنه أي وجه من وجوه الرفاه. ولما كان قد أظهر دلائل النجابة منذ أن كان في الرابعة فقد بدا يزعج من هم أكبر منه. وعلى الرغم من أنه كانت له ملامح ملاك إلاّ أن مزاجه كان شيطانياً. فحين لا يفعل ما يشاء يتحول إلى منطو حقود. وبكلماته هو كان «مغروراً متسلطاً سريع الغضب.»
إلاّ أنه لم يكن أمراً غير عادي أن تبرز هذه المواصفات في نبيل غرّ أيام لويس الخامس عشر؛ وبالنسبة لـ دو ساد فقد كانت المسألة كامنة في أنه أذكى ممن هم أكبر منه. وكان ذلك مفسداً ليافعي القرن الثامن عثر مثلما هو مفسد اليوم. ومع الأيام أرسل الغلام إلى المقر الريفي لعمه فرانسوا، وهو كاهن بحاثة هجر الحياة الدنيا في باريس وانقطع إلى الدراسة والتأمل. وهناك نمى الماركيز تعطشه للمعرفة وحبه للكتب. وحين أصبح  في العاشرة من عمره انخرط في الجزويت في( كلية لوي دوغراندا) في باريس.
وحين صار عمره أربعة عشر عاماً كان قد حصل على ثقافة عالية. تفوّق في اللاتينية واليونانية وتألق في المبارزة والمناقشة والتمثيل والفنون الجميلة وأسفر عن موهبة متميزة في الرسم والنحت. وفي ذلك الحين أيضاً غرق في الملذات الجنسية التي ميزت فرنسا القرن الثامن عشر ما قبل الثورة. وتحول إلى رحالة في دروب الجسد في فترة خدمته العسكرية ما بين 1754 و1963. ولقد قضى جزءاً من هذه الفترة العسكرية في ألمانيا حيث اشترك في حرب السبع سنوات. والجانب الوحيد الذي كان يستمتع به في حياته العسكرية هو الاستمتاع بالإجازات، وكان أفضلها ما يقضي في المباغي حيث كانت الممارسات الجنسية الغريبة تعمل على إثارة الشهوات المتخمة لدى الزبائن الأرستقراطيين.