الأربعاء، 20 أبريل 2016

حَوَادِيثُ، حِكَايَاتٌ وَخُرَيْفَاتٌ: الماركيز دو ساد



ترجمة رويدة سالم


الخدعة السعيدة
ثمة كثير من النساء غير الحريصات يتخيلن أنه بمَ أنهن لا يتورطن كثيراً مع عشيق فيمكنهن دون إهانة أزواجهن بأن يسمحن لأنفسهن على الأقل بعلاقة تودّد مع رجل، وينتج غالباً عن هذا الأسلوب في التعاطي مع الأشياء نتائج خطيرة كأن سقوطهن كان مكتملاً. ما حدث للماركيزة "قويساك"، وهي امرأة من الطبقة الأرستقراطية في نيم من مقاطعة آلون غدوك، دليل على ما نقدمه هنا كقاعدة.
اعتقدت السيدة "دو قويساك"،الحمقاء المتهورة والمرحة شديدة الفطنة والكياسة، أن بعض الرسائل العاطفية التي تتبادلها مع البارون "دوميلاس" لن ينجم عنها أيّ نتيجة، أولاً لأنه لا أحد سيعلم بها، وثانياً لأنه في حالة ما إن اكتُشف أمرها وبمَ أنها قادرة على إثبات براءتها لزوجها فلن تحتاج لطلب الرحمة منه، لكنها أخطأت، فقد تسرب الشكّ إلى السيد "قويساك" الغيور جداً فشكّ في علاقة تودّد واستجوب خادمة زوجته وأخذ منها الرسالة ومع انه لم يجد في البداية ما يبرر مخاوفه إلا أنه كان فيها ما يكفي لتغذية شكوكه.
وفي حالته القاسية من الشكّ، أخذ معه مسدساً وكأس ليمون، ودخل حانقاً إلى غرفة زوجته. صاح في وجهها غاضباً:

-      لقد خنتني، سيدتي. اقرئي هذه الرسالة التي بينت لي ذلك. لم يعد الوقت مناسباً للتلاعب بي، وها إني أترك لك أن تختاري طريقة موتك.
دافعت الماركيزة عن نفسها وأقسمت لزوجها أنه مخطئ وأنها يمكن حقاً أن تكون مذنبة بسبب طيشها لكنها بكل تأكيد لم تقم بأي جرم.
أجابها زوجها حانقاً:
-      لا تثقلي عليّ أكثر أيتها الخائنة. لا تثقلي عليّ أكثر واختاري بسرعة موتك وإلا فسيحرمك هذا السلاح للتوّ من الحياة.
قررت السيدة "قويساك" المسكينة المرتعبة أن تختار السم وتناولت الكأس وبدأت شربها.
قاطعها زوجها حين شربت كمية لا بأس بها من الكأس قائلاً:
-      توقفي. فلن تموتي وحدك. بمَ أنك تكرهينني وقمت بخيانتي فماذا عليّ أن أصبح في نظر العالم؟
وبينما يقول هذا الكلام تناول الكأس وشرب منها ما بقي فيها، فصاحت السيدة "قويساك":
-      آه يا سيدي في هذه الحالة الرهيبة التي وضعتَ كلاً منا فيها، فلا تحرمني من رؤية كاهن الاعتراف وأن أتمكن في الوقت نفسه من تقبيل أبي وأمي للمرة الأخيرة.
أرسل الماركيز مباشرة في طلب الأشخاص الذين أرادتهم السيدة سيئة الحظ.
ارتمت في حضن الأبوين اللذين منحاها الحياة واحتجت من جديد مؤكدة أنها غير مذنبة، لكن أي لوم قد يوجه لزوج يظنّ أنه قد خانته زوجته ولا يعاقبها بكلّ هذه القسوة إلا ويخضع هو بدوره للمصير ذاته؟
لم يعد ثمة مجال إلا لليأس وعلا البكاء من كل اتجاه.
عندما جاء الكاهن قالت الماركيزة :
-      في هذه اللحظة القاسية من حياتي أريد أن أعترف علانيةً لمواساة والدي ولتبقى ذكرايَ طاهرة.
ثم اتهمت نفسها بصوت عال بكل ما أملاه عليها ضميرها من آثام أتتها منذ ولدت.
نهض الزوج، منتبهاً لما تقوله زوجته فلم يسمعها تتكلم قط عن البارون "دومولاس" مع ثقته أنها في مثل هذا الظرف لن تلجأ لإخفاء شيء، وصاح معانقاً حماه وحماته وهو في قمة السعادة:
-      أبويَّ العزيزين هوّنا على نفسيكما ولتسامحني ابنتكما لما سببته لها من رعب لكنها سببت لي ما يكفي من القلق فسمحت لنفسي أن أسبب لها بعضاً منه. لا يوجد بالشراب الذي تناوله كلانا سمّ قط، فلتطمئن هي ولتطمئنوا جميعكم ولتتعلم هي على الأقل أنه لا يجب على المرأة الشريفة حقاً أن ترتكب شراً، بل ألاّ تقوم أيضاً بما قد يُسبب أدني شك.
عانت الماركيزة عذابات الدنيا لتعود لحالتها الطبيعية. فقد ظنت أنها تسممت حقاً حتى أن قوة خيالها جعلتها تحسّ بكلّ ما قد يسببه موت مشابه من جزع. قامت مرتجفة وضمت زوجها وحلّ الفرح محل الألم.
ووعدت في صدقٍ السيدة الشابة، التي قوَّم المشهد الفظيع سلوكها إلى أبعد حد، أن تتحاشى مستقبلاً أبسط مظهر من مظاهر الأخطاء، واحترمت وعدها وعاشت مع زوجها أكثر من 30 سنة فلم يجد مبرراً أن يوجه إليها أدنى تأنيب.
****

الأربعاء، 13 أبريل 2016

السفاح والكتابة عند ساد: بياترس ديديه



ترجمة: حسين عجة



By Takato YAMAMOTO
لا شك أنّ جريمة السفاح، من بين كلّ جرائم العشق في أعمال ساد الروائية، تحتلّ مكانة مميزة.  فالعقدة التراجيدية "لدورجفل" (Dorgeville) تكشف عن نفسها عبر الجملة الوحيدة التالية: «حسناً، يا "دورجفل"، لتقر أنّك تتعرّف على أختك المجرمة من خلال زوجتك السيئة الحظ هذه»! أمّا في رواية "فلورفيل" (Florville) و"كورفال" (Corval)، فيطال الموضوع ذروة تعقيده؛ كذلك نشعر ضمن أي فرح يسمح الروائي-الخالق (romancier -démiurge)، قبيل الخاتمة، بالكشف عن تعدّديّة العلاقات والجرائم المشدودة في عقدة واحدة: «لتعترف بي، يا "سنفال" (Senneval)، لتعترف في آن معاً بأختك، تلك التي أغوتك في مدينة "نانسي" (Nancy)، قاتلة ولدك، وزوجة والدك، والكائن الشنيع الذي قاد أمك إلى المشنقة».  على العكس من ذلك، تمثل رواية "يوجيني دو فرانفل" (Eugenie de Franval)  الحدّ القصي من البساطة؛ غير أنّ تلك الوحدة ليست فاعلة إلاّ من حول انفعال واحد (seule passion)، متطرّف، وتم إعداده منذ وقت بعيد لكي يكون ناضجاً: عشق الأب لابنته الفتية تماماً.
في نفس المرحلة، يؤلف ساد "مائة وعشرون يوماً" (cent vingt journées) حيث يتخيل جماعة من الخُلعاء المتحدين عبر شبكة علاقات سفاحية (incestueux): «منذ أكثر من ستة أعوام كان هؤلاء الفساق الأربعة المُتطابقون بثرائهم وذوقهم، يتخيّلون تقوية علائقهم أكثر عن طريق التحالفات التي يحتلُّ فيها الفجور موقعاً أكبر من أيّ دافع آخر، أي الدوافع التي تُؤسس عليها عادة العلاقات». وفي رواية "فلسفة الصالون الصغير" (la philosophie dans le boudoir)، تنفجر "يوجيني": «ها أنا إذاً سفاحة، خائنة لزوجها، وممحونة في آن معاً»!
إلى جانب هذه الممارسة السفاحية بين الشخوص الأكثر دلالة في العالم الساديّ، تُضاف، كبطانة للفعل، نظرية (une théorie). في "يوجيني فرانفل"، يستدعي الأب التقاليد القديمة، ولأنّ محاوره هو بالدقة قسّ، لذا يشير إلى الأنجيل وقصة لوط (l’histoire de Loth). وفي "لتبذلوا، أيها الفرنسيون جهداً أكبر، إذا ما أردتم أن تكونوا جمهوريين" (Français encore un effort si vous voulez être républicains)، يشرعُ ساد بتبرير سياسة السفاح (politique de l’inceste): «هل أنّ السفاح خطير؟ كلاّ، لا، أبداً، إنه يوسع العلاقات العائلية وبالتالي يجعل حب المواطنين للوطن أكثر فاعلية». بعد ذلك، يُطرح ما لا حصر له من الأمثلة، التي يلجأ إليها ساد عبر مناقبية تاريخية وجغرافية، لكي ينتهي بالقول بأنّ السفاح نتيجة مباشرة للـ "التجمع النسويّ" الذي ينبغي تأسيسه في الجمهورية الحقيقية.