الخميس، 19 فبراير 2015

فصل من رواية جوستين: الماركيز دو ساد


ترجمة محمد عيد إبراهيم(*)

KEVIN LOMBARTE, Lumière sur l'épaule
على رغم الأشواك التي ظلت تخِز جوستين بسيرتها العصيبة مع الفضيلة، كانت تعود دائماً إلى الله ومشاعر الحبّ والتسليم. وقد أيقنت أن شفاعة إلهها الطيب الذي تعبده هي وحدها ما يسّر هروبها المعجز من محفل موتا العالي. تحسّ، مهما كان هذا الحسّ، أنه حاميها على الدوام. أفلم يوجَد من هو أكثر أسىً منها؟ نعم، وهي تمتنّ عميقاً لكلّ ما صنعت يداه.
بمثل هذه المشاعر ارتاحت جوستين في خان قرب بلدة ديجون.
بُعيد مسافة من ديجون، وقد أوشك المساء، انسلّ خلفها رجلان، فألقيا عباءة على رأسها لحجب رؤيتها أو صراخها، صفّداها كالمجرمين وهما يسحبانها دون أدنى كلمة للمضيّ معهما.  
سارا بها قرابة ساعتين على درب تُخفيه عيناها المعصوبتان. كانت تتنفّس بمشقّة، فاقترح أحدهما إفساح المجال لمزيد من الهواء. كشفا رأسها. خشيت أن يستعيدها عملاء النسّاك، فشلّها الخوف.   
قالت "إلى أين نذهب؟ وماذا ستفعلان بي؟"  
ردّ أحدهما "هدّئي من رَوعكِ، فلن نفعل شيئاً. لا تدعي ما نتّخذه من احتياطات يقلقكِ. سنأخذكِ إلى سيد عظيم. يريد خادمة لزوجته، وهو علّة هذا الغموض، لكن لن يلحقكِ أذىً".
"آهٍ سادتي، إن كان فيه سعادتي، فلماذا ترغموني. ولمَ الخوف من هربي؟ أنا يتيمة بائسة، أستحقّ الشفقة؛ وكلّ ما أطلبه مجرد مأوى!". 
قال أحدهما "هي على حقّ! فلنُرحها أكثر، فقط نمسك يديها". 
مسكاها وواصلا. ولدى رؤيتها خَنوعاً ساكنة، كلّماها برقّة. علمت منهما أخيراً أن من سيأخذانها إليه هو المركيز دي جرنان، نبيل ثريّ يعيش وحده بالريف.
"وحده؟"
"نعم، فهو زاهد فيلسوف. لا يكاد يرى أحداً".
سألت جوستين "ولمَ هذه الاستحكامات؟"
"السبب، كما سترين، أن زوجة سيّدنا عقلها مفكوك قليلاً. لا تترك حجرتها، ويجب مراقبتها طيلة الوقت. وطبعاً لا يبغي أحد وظيفة كهذه. فلو أخبرناكِ قبلها لتفاديت تقلّد الوظيفة، فاستوجب أن نأخذكِ عنوة". 
بكت جوستين "ماذا! أصبح أسيرة هذه المرأة!"
"طبعاً، وما في هذا! سيمضي كلّه على خير، وسنرعاكِ ـ لا تقلقي". 
"يا ألله!"
"هيا تعالي؛ لا أمر يدوم للأبد. كما أنها وظيفة مضمونة وفيها مال كثير".  
لاح أمامهم منزل كبير. يبدو خاوياً مهجوراً كلّما اقتربوا منه.
أُخذت جوستين إلى المركيز، وقد تمدّد بأريكة واطئة. قربه شابان في زيّ مُخَنّثين، دهنا شعريهما بزيوت عطرة. وجهان جميلان، شاحبان كأنهما مريضان.
قال أحدهما للمركيز، وهو يومئ نحو جوستين "أخيراً فتاة من أجلكَ! تفتّش عن عمل. أظنّها تنفع". 
فردّ "لويس. أغلق خلفكَ الباب، تأكّد أنه لن يدخل أحد حتى أدعوه".
نهض المركيز دي جرنان وباشر متلمّساً ذراعَي جوستين. فحص سريع بليد، ثم  سألها عن طبيعة العمل الذي أدّته من قبل. أخبرته جوستين عن حياتها فقال "رائع، أحسن شيء؛ ستنفعين أكثر في منزلي. من الطيب أن يلازم الحظّ التعس خطوات كلّ وضيع تسلّل قرب أرضنا".   
قالت جوستين "لكن سيدي، أخبرتكَ عن مولدي، فلم يكن وضيعاً".
فنحّاها جانباً "نعم، نعم. أعي ذلك كلّه. فالناس تهوى دائماً انتحال شخصية وهُم نكرة. أوهام من الزهو. على أيّ حال، الأمر سيان عندي: فأنا أراكِ شبه خادمة، وتلبسين مثل خادمة؛ آخذكِ على هذا المحمل. مع ذلك" وتطلّع فيها حانقاً "بيدكِ، مسألة السعادة هنا. بقليل من الصبر والتمييز، وخلال عدّة سنوات سأُعفيكِ من هنا بما يكفي من المال لتعيشي في بحبوحة على حسابكِ الخاص".
ثم تناول ذراعيها ثانية، الأول فالآخر، شمّر كمّيها، أنعم البصر فيها بفضول.
سأل "هل نزفتِ من قبل؟"
قالت جوستين، دهشةً من سؤاله "لا سيدي". 
فقال، يحدّق فيها نزقاً "أودّ أن أعرف قوامكِ. فليس لي أن أرى خللاً بالمكان الذي ستشغلينه، وعليكِ أن تظهري كلّ ما في طاقتكِ".
حاولت إيقافه، فثار يخبرها ألاّ تلعب عليه دور المحتشمة، فلديه الوسائل الأكيدة أن تكون له اليد العليا على النساء. قال "ما أخبرتني عن نفسكِ لا ينذر بأرفع فضيلة. ولا مكان لسبل مقاومتكِ فهي مضحكة!"
أدركت أنها دون حماية مع رجل قد يُحيلها لتراب بلكمة من قبضته، فخضعَت.
أومأ المركيز لرفيقيه الشابين، فاقتربا من جوستين وحضناها، مسّها بخشونة وهو ممتلئ حماسة عنيدة. ثم شدّها لحجرة مجاورة فيها شابان جميلان آخران يعملان بالتطريز. نهضا عند دخول المركيز.
قال لأحدهما "نرسيس، هذه خادمة زوجتي الجديدة؛ سأختبرها. فسلّمني المباضع".
فتح نرسيس علبة فأخرج أدوات النزف. 
قال المركيز للشاب الآخر "أرِحها، يا زفير". 
أُسندت على ركبتيها جنب كرسيّ عال وسط الحجرة. ثم ثُبّت ذراعاها بوشاحين أسودين موصولين بالسقف. اقترب المركيز، بمبضع في يده. عيناه رطبتان، لاهث الأنفاس. فربط ذراعيها، وشرع ينخسهما بحركات سريعة كالطير. بدأ دمها ينبجس، وكان على وقع المنظر ينخُر باللذة. مضى ليجلس مقابل جوستين، بُعيد ستة أقدام. نضّ عنه ما يلبسه من رداء خفيف. ولم ينحّ عينيه المحترقتين لحظة عن الدم الذي ينقّط منها في وعاءين أبيضين تحت ذراعيها. لبث نرسيس وزفير جنب سيدهما المنكبّ على رؤية الجداول الحمراء التي تطقّ بالوعاءين.
أحسّت جوستين نفسها موهَنة للغاية. قالت وهي لا تكاد تلهث "كفى، لخاطر الله كُفّوا!... ارحموني... إنني أتهافت...". وبدأت تترنّح، لكن الوشاحين منعاها من السقوط. فمال رأسها على جانب من كتفها وتلطّخ وجهها بالدم. 
**

رُدّ على جوستين الوعي، فوجدت نفسها راقدة بفراش دافئ وثير. قربها مرأتان عجوزان، قدّمتا إليها بعض المرق مجرد أن فتّحت عينيها.
أمرها المركيز صباح اليوم الرابع أن تأتيه للكلام معه. فاقتيدت لحجرة استقباله، وهي مضَعضَعة نوعاً. 
قال وهو يرشدها لتجلس "تريز، لن أجرّب عليكِ هذا ثانية، نادراً. ستفيدينني في أغراض. أردتُ فقط أن أعطيكِ فكرة عن أهوائي. مع ذلك، ستكون هذه نهايتكِ لو مرة خنتني، بأيّ طريقة، أو أدخلتِ زوجتي تحت رحمتكِ. لكن لا تتصوّري أني أعاملها هكذا من ضغينة أو احتقار. بل ملء عاطفتي. لا شيء يعادل ما أحسّه من لذّة وأنا أفصد دمها! فهو يفضي إلى رأسي ببساطة وأنا أراه يتدفّق. لا أتمتّع بطريقة أخرى قطّ، على رغم مضيّ ثلاث سنوات منذ زواجي بها. كلّ رابع يوم تتلقّى المعاملة ذاتها التي جرّبتِها. ولأنها في حدود العشرين، فشبابها يتحمّل، مع الرعاية التي تلقاها. وهذا السبب الذي لا يجعلني أُفلتها أو أسمح لها برؤية أحد. أُوهم الناس أنها مجنونة، بينما تعيش أمها، قريبتها الوحيدة، على بُعد ستة أقدام من هنا في قصرها، مقتنعة أنها لا تجرؤ على المجيء لرؤيتها. ستواصل زوجتي هكذا طالما تستطيع، ولن تحتاج شيئاً وهي تحيا هنا. أحبّ أن أُتلفها على مهلٍ، إلا أنني أسعى لبقائها على قيد الحياة قدر الممكن. بعد أن يُعجزها الصمود، ليُعنها اللهّ! فهي امرأتي الرابعة ـ هناك جميلة أخرى ستكون الخامسة. ولا يسبب لي مصير امرأة أدنى اضطراب. ففي الدنيا كثيرات منهن، ولا يسعدنا غير تبديلهنّ! فكوني هكذا قدر استطاعتكِ. مهمتك، يا تريز، رعايتها. فهي تخسر كمية منتظمة من الدم كلّ أربعة أيام. لا يُغمى عليها الآن، فقد اعتادت عليه. يدوم شحوبها أربعاً وعشرين ساعة؛ وتُمضي الأيام الثلاثة الأخرى على خير. لكنكِ بسهولة تدركين أنها تبغض هذه الحياة. ستفعل أيّ شيء ليُطلق سراحها، أو لتدع أمها تعرف حالتها الحقيقية. ظفرت مرة بثقة خادمتين، لكني كشفتهما في حينها، فأوقفتُ المناورة. تسبّبَت في موت البائستين وتندم على ذلك حتى اليوم. وهي مستسلمة أكثر الآن في تقبّل مصيرها، وتعد بألاّ تسعى للظفَر بثقة المزيد مما أجلبه إليها من خادمات. لذلك أُضطرّ لأخذ الخادمات عنوة، كما في حالتكِ، كي أتفادى الدعاوى القضائية. لن آخذكِ لمنزل أحد، لن أعطي تفاصيل عنكِ لأحد، وسأفعل ما يحلو لي معكِ لو حاولتِ خيانتي. لن أورّط نفسي في متاعب حتى لو قتلتكِ. ويُستحسن، يا طفلتي، أن تحسبي خطواتكِ، أحذركِ. أيّ خداع سيودي بكِ حتماً إلى الموت!"
لم يكن هناك المزيد ليقال، فتبعت جوستين سيّدها. مرا عبر صالة طويلة معتمة. فُتح باب فدخلا حجرة بَينية، حيث نهضت العجوزان اللتان طبّبتا جوستين طيلة مرضها فأدخلتاهما شقّة بديعة واسعة. كانت المركيزة على كرسيّ عال، تطرّز، فوقفت حين رأت زوجها. 
قال لها المركيز "اجلسي. لا يضيرني إنصاتكِ لي جالسة. لقد وجدتُ لكِ خادمة، أخيراً. آمل أن تذكري ما حدث للأخريَين ولا تُدخلي الفتاة في المحنة نفسها".
قالت جوستين "لن يُجدي نفعاً"، وهي شغوف لمساعدة المرأة تعسة الحظ فتحاول التعمية على نواياها الحقيقية أمام المركيز. "سيدتي، عليّ أن أخبركِ في وجهكِ أنه دون جدوى. سأُبلغ المركيز عما تقولينه لي. لن أُعرّض حياتي للخطر من أجلكِ".
فردّت المركيزة، غير مدركة دوافع جوستين الحقيقية "لن أفعل ما قد يُعرّضكِ للفضيحة. فلا تقلقي، لا أحتاج منكِ فعل شيء خارج خطّ واجباتكِ".
"كلّ شيء لأجلكِ سيدتي، ليس أكثر!"
سُر المركيز فصافح جوستين هامساً في أذنها "عظيم، يا تريز! يتوقّف حظّكِ على فعل ما تقولين". 
ثم أرشدها لحجرتها، لصق حجرة المركيزة. جعلها تلحظ أن الشقّة موصدة من الداخل بأبواب قوية، والفتحات مُؤمّنة بقضبان شبكيّة مزدوجة، مما يضعف أملها في الهرب. 
أضاف، وهو يقودها إلى حديقة صغيرة بمستوى الشقّة "هاهي الشرفة. لا أظنّ بكِ الحمق أن تفكّري بتسلّق جدرانها. قد تأتي زوجتي هنا لتستروح الهواء النقيّ كما تهوى، لكن يلزمكِ صحبتها. ذلك ما يخصّكِ حالياً ـ فوداعاً".
دخلت جوستين لرؤية سيّدتها. نظرت كلٌ للأخرى بدون كلام. مدام دي جرنان، شابة لا تتعدّى العشرين. طويلة نحيلة رشيقة. شقراء بعينين بديعتين سوداوين ملؤهما تعبيرات رقيقة. أنف دقيق، جِلد أبيض، ذقن بديع، فم صغير بأسنان براقة، محيط وجهها بيضاويّ ناعم ـ المركيزة، مثال لجمال المرأة. على رغم نحولها، فهي بديعة القوام مكتنزة. كما تبدو طيبة حسّاسة. 
سألتها جوستين "متى نزفتِ آخر مرة، سيدتي؟" 
"من ثلاثة أيام. وغداً موعدي ـ نعم، غداً سترين المشهد الرائع!"
سألت جوستين "ألا يوهن منكِ؟"
"يوهن مني! يا إلهي! لا زلتُ بالعشرين، ولا أظنّ المرء يحسّ بالوهن إلا قُرب السبعين. ولكلّ نهاية، فحمداً لله!"  
جعلت هذه الكلمات جوستين تنقبض، فكتمت آلامها، لم تودّ أن تُبين عن مشاعرها الحقيقية نحو المركيزة.
حان عشاء المركيزة. جاءت العجوزان لتوصية جوستين أن تأخذها إلى حجرتها.
جلست المركيزة تدعو جوستين بنظرة ودّ وصداقة للجلوس والعشاء معها. بالمائدة عشرون صحنا على الأقلّ. 
"طالما الطعام مخدوم فمعناه أنهم يهتمون برعايتي جيداً، كما ترين".
ردّت جوستين "نعم، أعرف أن المركيز يودّ رعايتكِ على أكمل وجه".
"آه، لكن بمعرفة دوافعه، لا تفرُق هذه المجاملات كثيراً معي". 
ولأنها منهكة دائماً، فهي تأكل كثيراً. بعد العشاء ذهبت المركيزة تستروح أنفاساً في الشرفة. تسندها جوستين بيدها؛ ودون هذا العون لا تسير عشر خطوات.
أبانت عن ذراعيها إلى جوستين، الندوب تغطّيها. "ولا يتوقّف هناك. فلا جزء إلا ويريد رؤية الدم يدفُق منه". كشفت رقبتها، قدميها، كلّها ندوب. ثم خلدتا للنوم. 
كان اليوم التالي موعد نزف المركيزة. وقد شرع المركيز في العملية فور خروجه من العشاء، قبل عشاء زوجته دائماً، يطلب من جوستين أن تأتي للجلوس معه إلى المائدة، لتشهد شراهته الهائلة في نظامها المعهود. يقوم أربعة خدم بتقديم وجبته المهولة.
تُقدَّم الأصناف الرئيسة أولاً؛ ثم ضلع غنم على الطريقة الإنجليزية، ثمانية أصناف لحم جانبية، خمس دورات لحوم ثقيلة، خمس للّحوم الأخفّ، رأس خنزير بريّ بين أصناف اللحوم المشويّة الثمانية؛ ثم أُبعدت لتقديم دورتَي حلويات دسمة وستة عشر صحناً من الفاكهة، ومثلّجات، ستة أنواع نبيذ، أربعة أصناف خمر، وقهوة. تناول المركيز من كلّ صحن. احتسى اثنتي عشرة زجاجة نبيذ: أربع برجاندي عند بداية الوجبة؛ أربع شمبانيا مع اللحم المشويّ؛ وتجرّع مع الحلويات توكاي وهرمتاج وماديرا. وانتهى بزجاجتَي خمر أيلنز وعشرة فناجين قهوة.
نهض عن المائدة خطوته منتعشة، كالخارج تواً من الفراش، فخاطب جوستين "هيا نذهب لنُنزف سيدتكِ الآن. أودّ أن تبلغيني إن فعلتُها معها جيداً كما فعلتُ معكِ".
وكان شابان لم ترهما جوستين من قبل عند باب شقّة المركيزة، حيث دخلوا كلّهم. وهناك شبّان آخرون. لدى المركيز اثنا عشر منهم، يبدّلهم كلّ عام.
تلبس المركيزة رداء خفيفاً، أنزلوها على ركبتيها بمجرد دخول زوجها. 
سأل "مستعدّة؟"
ردّت خانعة "لكلّ شيء، سيدي. تعرف أنه ليس لي غير طاعتكَ". 
فأمر المركيز عندئذ جوستين أن تأتي بزوجته إليه. كانت المركيزة على إلمام تامّ بكلّ إجراء، تجتاز التمهيدات من تلقاء نفسها. وبين هذه المراسم، رفاق المركيز يستحثّونه على الإثم.
دُهشت جوستين من أن هذا الرجل الضخم بشكله المرعب كان، على رغم جُرمه، إنساناً صغيراً فعلاً. والدليل أمام عينيها: كأنه طفل بالثالثة، بأدقّ زائدة، في حجم حُمّصة تقريباً. 
أخيراً، طقّت عيناه شراراً، فنخس زوجته بمبضعه؛ لكن قروحه كانت خفيفة ـ  نمّ عنها نقطة دم أو اثنتان فحسب.  
جلس ثانية فمنحها فترة استرواح، يشغل نفسه مع اثنين من رفاقه. يتلقّى المركيز الكثير، لكن لا يمنح شيئاً بالمقابل؛ لم يكن لأكبر الجهود بالنظر إلى تُخمته وعجزه أن تُوفّق في سحبه من خَدَره. لا شيء هناك يدلّ على عنف عواطفه.  
مسك زوجته ثانية، وضعها كما وضع جوستين، يداها مربوطتان بوشاحين طويلين إلى السقف. وعُهد إلى جوستين برعاية شدّ الأربطة. عاين القيود، فلم تكن مشدودة كفاية فضغطها بإحكام أكثر. جسّ أوردتها وهو ينخسها تقريباً بالوقت نفسه. بدأ الدم يدفُق، وكان سعيداً. ظلّ عشر دقائق في هذيانه، يقاوم نفسه كامرئ يفيق من الصَرَع. جيشان صراخ يُسمع من بُعد ميل وخوار بتجديف بذيء، ارتطم بكلّ ما في طريقه. فاضطرب اثنان من رفاقه. ومنهكاً، هدأ أخيراً.
ركضت جوستين فوراً جنب المركيزة، لتوقف دفق الدم، فكّتها، فأخذتها إلى كنبة. كانت موهَنة مرتخية إلى حدّ مفزع. ودون أن يزعج المركيز نفسه، سار بتهور للخروج مع رفاقه، تاركاً جوستين تعيد كلّ شيء إلى نصابه على هواها.
أبلغت المركيزة، وهي راقدة، جوستين أنها فقدت دماً هذه المرة أكثر من العادة. لكنهم ينفقون عليها كثيراً من الرعاية والمنشّطات.
اكتشفت جوستين حالاً سرّ دخولها خدمة المركيز. فهو يعرف أن قليلاً من النساء يسعدنه كثيراً. وهكذا اكتسبت مزايا خاصة إلى ثقته.
ذات صباح طلب المركيز من جوستين المجيء إلى حجرته لنقاشها في وسائل مستجدّة للنزف. أنصتت بانتباه إليه، تستحسن براءته. كان هادئاً وتمنت أن تُليّن منه بشأن زوجته. فقالت "كيف تعامل زوجتكَ هكذا! انظر كم هي جميلة!"
"آه يا تريز، ذلك ما يثيرني! اسمعيني، فتاتي العزيزة"، وواصل، يومئ أن تجلس جنبه "مهما قلتُ عن جنسكن، فلا تغضبي؛ سأعطيكِ أسباباً معقولة. بأيّ منطق في ظنكِ أن الزوج ملزم بإسعاد زوجته؟ وبأيّ حقّ تتوقّع الزوجة ذلك؟ هناك شخصان بقوة متعادلة، قدرة متساوية على إيذاء أحدهما الآخر، يسعدان معاً بالتبادل. طبعاً، في حالة وقّع كلاهما ميثاقاً لمنع استخدام قوتيهما لإيذاء أحدهما الآخر. لكن هذه السعادة لا توجد بين إنسانين، قويّ والآخر ضعيف. فلماذا يأمل الأخير أن يصفح عنه السابق، ولماذا ينكر القويّ على نفسه استخدام قوته مقابل لا شيء، للشفقة؟ إنه شعور منطقيّ كما قلتُ بين اثنين بقوة متعادلة. شعور أنانيّ صرف. يقع أثره بشرط ضمنيّ أن الرجل الذي يلهمني الرحمة سينال مني الشعور ذاته. لكن لو لم يكن عندي ما أخاف عليه من أجله، فشفقته عليّ عديمة الجدوى ولا يوجد سبب يستوجب التضحية بنفسي لنيل أيّ شيء منه. ألن أكون مغفّلاً لو أشفقتُ على فراخ الدجاج التي تُذبح لعشائي؟ الزوجة الآن كفرخ دجاج. كلاهما حيوانات أليفة عليها أن تُستخدم كما صمّمتها الطبيعة. وإني أسألكِ، إن كانت هذه نية الطبيعة أن يهب جنسنا السعادة لجنسكن والعكس بالعكس، أفلا تكون طبيعة عمياء قد خلقت كثيراً من الأشياء السخيفة في بِنية الجنسين! هل أخطأت جدّياً ليكون الإقصاء والكره الفطريّ المتبادل هو النتيجة! خذيني مثالاً. تريز، أستطيع وهب أيّ امرأة السعادة! والعكس بالعكس، فأيّ رجل يستطيع التمتّع بامرأة لذيذة ما دام مزوّداً بالتناسق والقوة والجَلَد اللازم لإشباعها! يُفترَض أن تقولي إن الصفات الروحية قد تعوّض مواطن الضعف الجسدية. همم! ألا يصرخ أيّ عاقل حين يتعرّف إلى امرأة مع يوربيدس(**) (هو الذي من بين آلهةٍ خلق المرأة في العالم، يتباهى بأنه أبدع أسوأ الكائنات، وأكثرها تعباً للرجل!) وهكذا ترين أن الجنسين لا يناسب أحدهما الآخر قطّ، ومن الزيف القول إن الطبيعة خلقتهما للسعادة التبادلية. خلقت فيهما الرغبة، للتناسل ليس إلا، لا ليجد كلٌ سعادته في الآخر قطعاً. فالسعادة توجد فقط بخضوع المرأة الأعمى، والجبروت المطلق والاضطهاد من قِبل سيدها. أليست هذه هي نية الطبيعة؟ ألم تخلق أحدهما أدنى من الآخر في كلّ منحى! ألا تدلّ هذه الحقيقة على إرادة الطبيعة في استعمال الرجل القوة والحق الممنوحَين له! وليس لنا أن نحكم بشكاوى الضعفاء. فمثله سيكون حكماً باطلاً ضيّق الأفق ضعيفاً، لأنكِ تستعيرين أفكارهن، المفروضة عليهن من قِبل مصيرهن التعس. يجب الحكم على الفعل بقوة الأقوياء، بالتفويض الذي تمنحهم إياه هذه القوة. لو مُدّت آثار هذه القوة إلى امرأة، فلاحظي ما ستؤول إليه: مخلوقة وضيعة، أدنى من الرجل من أيّ وجهة. فهي أقلّ براءة، أقلّ حكمة، تقاوم كلّ ما يسعد الرجل، كلّ ما يسرّه: كائن مريض نصف عمره. نكدة مناكفة متعجرفة، وموهوبة معصومة في التذمّر الدائم. طاغية لو عُهد إليها بأيّ قوة؛ دنيئة متزلّفة لو رضخَت تحت هيمنة. زائفة دوماً، شريرة خطرة. ثار نقاش جدّي بمجلس الماكون(***) حول جرأة هذا الكائن الغريب، شبيه القرد، في الزعم بنسبه البشريّ وهل من العقل أن يُطلق عليه هذا الاسم. تبيّني الطريقة التي ينظر بها معظم الناس إلى هذا الجنس الحقير. هل أسبغ عليها الميديون(****)، الفرس، البابليون، الإغريق، الرومان، اليهود، أدنى احترام؟ إننا نراها أينما تكون مسحوقة، تنصرف أينما تكون عن أية شؤون، تُحبس. تُعامل باختصار كالحيوانات، تُستخدم وقت الحاجة ثم تُعاد فوراً للحظيرة. أسمع الحكيم كاتو(*****) وهو يصرخ من عاصمة العالم القديم (لو خُلق الرجال دون نساء، لناطحوا الآلهة!) أسمع رقيباً إغريقياً يبدأ خطبته بهذه الكلمات (لو استطعنا، سادتي، العيش دون نساء، لأدركنا السعادة الحقّة من الآن فصاعداً). أسمع الشعراء يغرّدون في مسارح اليونان (جوبيتر(******)! أيّ علّة ألزمتكَ بخلق النساء؟ ألم تستطع وهب هذا الكيان للرجل بوسيلة أفضل وأعقل، أو باختصار، وسيلة كنت تُنقذنا بها من طاعون النساء!) وقد أحاطت هذه الأمم هذا الجنس باحتقار حتى استلزمت القوانين الحدّ من نسلهن، وكانت إحدى عقوباتهم هي إجبار المجرم على لبس زيّ امرأة، أي يلبس كأحقر وأخطر مخلوق يعرفونه. وحتى بين عصرنا أرى النساء لا يزلن يُحبسن عبر آسيا، للوفاء بعبودية نزوات الأباطرة البربريّة حيث يمزقونهن، يعذّبونهن، ويلعبون رياضة بمعاناتهن. في أمريكا أمم رحيمة بطبعها، الإسكيمو، لكنهم ينسبون للرجال كلّ فعل خيريّ، بينما يعاملون النساء بخشونة لا تُصدّق. نراهُن مُستَذَلاّت، مومسات للغرباء في مرفأ على حدود العالم، ومُستبدلات بالمال في آخر. وفي إفريقيا جدّ محتقرات، حيث يعملن كالحيوانات حمّالة الأثقال، بحرث الأرض، بذر الأرض، وارتقاب أزواجهن راكعات. وفي جُزر أخرى يُضربن، يُعذّبن من قِبل أولادهن. تريز، لا تدعي هذا يُذهلكِ. لا تعجبي من الحقّ الكونيّ الذي يملكه الأزواج بكلّ زمان على زوجاتهم. فكلّما اقترب الناس من الطبيعة أحسنوا فهم قوانينها. ليس للزوجة علاقة مع زوجها غير الأَمَة مع سيّدها. ليس لها الحقّ في توقّع المزيد. لا ينبغي الخلط بين الحقوق والمفاسد المشينة، فقد حطّ ذلك من قدر جنسنا، بينما رفعكنّ ذات يوم. دعينا نستكشف العلّة الحقيقية لهذه المفاسد حتى نستعيد شورى العقل الحكيمة. والآن، يا تريز، هاهو سبب الاحترام الحاصل الذي يناله جنسكن، حيث يضلّل من يُطيل أمد هذا الاحترام. بين السلتيين(*******) القدامى، في تلك المنطقة وحدها من العالم، لم تُعامَل النساء مطلقاً كالعبيد، فقد اتّخذن لُباس التبشير والتنبؤ بالحظّ. تصوّروا بهنّ براعة في هذا الفن بسبب مناولتهن الحميمة مع الأرباب. ومن ثم نسبوهن إلى جماعة الكهنة وتمتّعن بكلّ ما يخصّ امتيازات الكهنة. من هذا التحيّز تأسّست في فرنسا الفروسيّة، ووجدوا النساء أقرب إلى روحها، فكرّموهن. مع هذا، كأيّ شيء آخر: انقرضت المسبّبات وسلّموا بالآثار. فاختفت الفروسية لكن دام التحيّز. لم يُلغ الاحترام القديم حتى بعد تلاشي مسبّبه: لم تعد الساحرات ذات تقدير بل المومسات هن المبجلات. والأسوأ، أن الناس داومت على ذبح أحدها الآخر من أجلهن. كان ذلك في زمن وضعنا فيه نهاية هذا الهراء. فلم يعد له أثر على عقول الفلاسفة. هيا نُعد النساء إلى مكانهن الحقيقيّ ونستعملهن كما تبغي الطبيعة، كما تعترف أعقل الأمم: شخوص خُلقت لأجل ملذاتنا ونزواتنا؛ شخوص لا يستأهل ضعفهن وفراغهن وجشعهن غير الازدراء! كما أن الأمم، يا تريز، لم تتمتّع بأوضح الحقوق صراحة عن نسائها فقط، بل هناك من قُدّر عليهن الموت بمجرد الولادة. كان العرب يحتفظون بعدد قليل لزوم تناسل الأنواع؛ كما اعتاد من عُرفوا باسم القُرشيّين وأد بناتهم على جبل قرب مكة. بازدرائهم هذا الجنس، ينزعون إلى قول إنهن غير أهل للتطلّع إلى نور النهار. وفي حريم الملك آخيم، كان أدنى شكّ للخيانة، أدنى عصيان لخدمة ملذات الأمير، أو لحظة نمّ فيها اشمئزازهن، فالعقاب أشدّ وسائل العذاب رعباً. على ضفاف نهر الجانج يخضعن لقتل أنفسهن فوق رماد أزواجهن، فلم يعد لهن جدوى في هذه الدنيا، لم يعد بمقدور أسيادهن التمتّع بهن. كما أنهن يُصَدن في مكان آخر كالحيوانات البريّة حيث يتمثّل الشرف في قتلهن. في مصر كان يُضحّى بهن قرباناً للآلهة. وفي فرموزا يوطَأن بالأقدام. كما اعتادت قوانين ألمانيا إدانة من يقتل امرأة أجنبية بغرامة صغيرة؛ ولا يدفع شيئاً لو حدث وكانت زوجته أو امرأته. في كلّ مكان، أكرّر، هن مُستذَلات مضطهَدات مُتحَرّش بهن، أُضحيات إلى قوى الكهنوت العلوية أو من عنف أزواجهن. ولأني أعيش مصادفة بين أجلاف لا يبطلون أسخف تحيز، فلماذا أحرم نفسي من الحقوق التي وهبتني إياها الطبيعة عبر هذا الجنس! لا! لا! يا تريز، ليس عدلاً. سأُخفي سلوكي عند الضرورة، لكني سأقدّم ترضية في صمت. بسبب هذه الآراء العبثية، يُدينني القانون بالنفي في معتزلي. فأعامل زوجتي هكذا بما أراها تصلُح له وأجده متّفقاً مع شفرات الكون، مع قلبي والطبيعة!" 
ضجّت جوستين بالشكوى "سيدي! جدالكَ مستحيل! ومن العجز أن أهديكَ!"
"لا تحاولي يا تريز. فالشجرة العتيقة يصعب أن تميل. في مثل سني قد يبتعد المرء خطوات في امتهان الشرّ، لكنه لا يتخذ بدرب الفضيلة خطوة واحدة. إن مبادئي وميولي هي سعادتي الوحيدة منذ الطفولة. هي الأساس المكين لكلّ من سلوكي وأفعالي. قد أتطرّف فيما أريد، لكن أعود ـ لا! فقد تولّد عندي رعب من نزعات البشر. أكره حضارتهم، فضائلهم الزائفة الفاسدة، وأربابهم، بإخلاص بالغ، فلن أضحّي أبداً بأيّ من نزعاتي من أجلهم!" 
**

رأت جوستين بوضوح أن وسائلها للفرار من هذا المنزل أو فكّ سراح المركيزة لن تكون بغير الخداع والمكر. طيلة العام الذي اقتربت فيه من المركيزة كانت تفتح قلبها غالباً لتجعلها تدرك كم تتوق لمساعدتها. واتّفقتا على خطط معينة. أن تكتب المركيزة إلى أمها عن أعمال المركيز الشائنة. وهي على يقين من أن أمها ستهُبّ فوراً لنجدتها. لكن المشكلة أنهما في حبس مُحكَم، بعيدتين عن مجال الرؤية!
اعتادت جوستين الحوائط ضمن الخلاء، تُعاينها من الشرفة، بارتفاع ثلاثين قدماً. فكّرت أنها قد تتخذ طريقا واضحاً إلى الغابة من هذه الحوائط. واكتشفت أنه لا سياج يسدّ طريقها، لكن لم تتأكّد. فقرّرت وزن الأمور. خطّت المركيزة رسالة توسّل مؤثّرة إلى أمها، ألصقتها جوستين بخصرها. وبعد ظلام الدنيا، وبمعونة بضع ملاءات، تسلّقت نازلة عبر الشرفة. وهي الآن في الحديقة، فُزعت حين رأت أنها محاطة بأسوار عالية، تُخفيها كثافة من شجر، بارتفاع يزيد عن أربعين قدماً، وكلّها محميّة من أعلى. فماذا تفعل؟ ستسترعي نوراً يُضاء ويثير وجودها بالحديقة الشكوك طبعاً. كيف تهرب من ثائرة المركيز؟ سيُصفّي دمها عقاباً. كما يستحيل عليها العودة الآن، فالمركيزة سحبت الملاءات، وسينبئ عنها حتماً أيّ دقّ بالباب.  
جُرّدت من إرادتها كلياً، فربضت بالعتمة ترجف خوفاً قرب شجرة. تعرف أن المركيز لا يرحم، وهي على يقين من أنه قُضي عليها الآن.  
تميّزت الحوائط العالية المُحدقة بالحديقة عند غبش الصبح الرماديّ الغامض. أول من قابلته المركيز نفسه. كان الوقت حاراً ومُطبقاً طيلة الليل مما أثار أرقه فنهض مبكراً يتنسّم هواء الصبح النقيّ. 
حدّق في جوستين وتراجع، معتقداً أنه أخطأ وما يراه مجرد شبح. فزعت جوستين ترتعد، وسقطت عند ركبتيه.
"ماذا تفعلين هنا، يا تريز؟"
فاهتزّ صوتها خيفة "سيدي، عاقبني!"
وقد نسيت، في ظلّ حيرتها أو رعبها، إتلاف رسالة المركيزة المخفيّة بخصرها. تملّك زمام الموقف فوراً، حدس به صحيحاً، وطلب تصفّح الرسالة. فأنكرت أية رسالة؛ لكنه بالتطلّع عن قُرب تبيّنها تلوح من جَعدة حرير على خصرها. فخطفها، وتصفّح يقرؤها عجلاً في جشع.
أمرها أن تتبعه. عادا إلى القصر من مهبط سلّم خفيّ تحت القناطر.
توقّفا بعد منعطفين أو ثلاثة، ثم فتح باب زنزانة فرماها بداخلها.
بضحكة مكبوتة قال "عاهرة غبية! حذّرتكِ، هه، ألم أحذّركِ؟ ستنالين ما تستحقينه! سأصفّي حسابي معكِ غداً بعد العشاء!"
من قسر لا يُقاوم، اندفعت ثانية على ركبتيه، ترجو منه الشفقة. لكنه جرجرها من شعرها على الأرض الموجعة ثلاث مرات أو أربع حول السجن، ثم دقّ رأسها في الحائط بضراوة. وقال يكزّ على أسنانه "سأشقّ شرايينك كلّها! سأتريّث قليلاً لنيل المزيد من رعبكِ. فارتقبي، سأريكِ كيف تُجدي معكِ فضيلتكِ!"
لكن جوستين لم تعد تسمع؛ فهي ترقد بالأرض بليدة الحسّ. قضّت ليلة مفزعة، مع أكثر نوبات القلق عنفاً، ورأسها يطنّ من الألم والإنهاك.
رقدت هكذا قرابة ست وثلاثين ساعة، حتى انهدّ الباب فدخل المركيز وحده. كان قد شفَى غليله من زوجته. وفي نطاق غضبه بدت ملامحه مضخّمة، فأنفه متكتّل، وعيناه أشدّ ظلمة، أما فمه وتكشيرته فأكثر فزعاً. 
قال "أظن عندكِ فكرة عما سأفعله معكِ. ستقاسين كثيراً! سيدفُق دمكِ بمسام جلدكِ كلّها! سأُنزفكِ ثلاث مرات يومياً؛ لأرى إلى متى تحتملين الحياة. أشتاق إلى هذه التجربة من زمان. فشكراً لأنكِ وهبتني الفرصة".
ودون مزيد من الإزعاج ارتمى ينخس ذراعيها، وعندئذ جاءه أحد الخدم صارخاً "أسرع سيدي... أسرع... زوجتكَ تقضي نحبها... وتودّ الكلام معكَ...".
فاندفع خارجاً، ونسي من ذهوله المفاجئ سكّ الباب خلفه. وعلى رغم وهنها، كان لدى جوستين حضور عقليّ كافّ لتنتهز الفرصة، فترنّحت من الباب تدلف آمنة في الحديقة. كان باب السياج مفتوحاً، فمضت عبره دون أن تلفت انتباه أحد.
قرب حلول الليل وصلت كوخاً بُعيد أربعة أميال عن القصر. أمّلت وصول بلدة جرينوبل أخيراً، موقنة من تبدّل حظّ يرتقبها، حين تخرج أول الصبح التالي.

(*) نشرتُ ترجمتي لرواية الماركيز دو ساد "جوستين"، في دار الانتشار العربي، بيروت، 2006. (م)
(**) يوربيدس: مسرحي يوناني (484 ـ 407). (م)        
(***) ماكون: بلدة بفرنسا. (م)       
(****) الميديون: سكنوا شمال غرب إيران (1350 ـ 1400). (م)       
(*****) ماركوس بورسيوس كاتو، رجل دولة أيام الإغريق (234 ـ 149 ق.م). (م)       
(******) جوبيتر: كبير آلهة اليونان. (م)   
(*******) السلتيين: من منطقة الغال، فرنسا. (م)   

هناك 9 تعليقات:

  1. ترجمة ممتازة , أحسنت , أتطلع لأن تترجمها كلها و أستطيع ايجادها في المكتبات قريباً .
    تحياتي

    ردحذف
  2. الأخت العزيزة، لقد ترجم الأستاذ محمد عيد إبراهيم رواية جوستين كاملة ونشرها بدار الانتشار العربي، بيروت، سنة 2006 وهو يعدّ قريبا لنشرها مرة ثانية.
    محبتي

    ردحذف
  3. احسنت وشكرا ترجمه رائعه

    ردحذف
  4. يا استاذ محمد عيد لماذا لا تترجم اعماله الباقيه

    ردحذف
  5. اين اجد الرواية كاملة 😢 متشوقة لقراءتها ❤

    ردحذف
  6. كنت اتمنى ان تكون الترجمة كاملة كترجمة العامري ولكن وآسفاه .. لقد كنت يا سيدي رقيب قبل الرقيب.

    ردحذف