ترجمة حسين عجة
Sophie Sainrapt - Femme asiatique |
ظهرت قصة جوستين أو مآسي الفضيلة ثم أعقبتها قصة جولييت، أختها في عام 1797، في هولندا. سرعان ما شعر العالم بفزع من هذا العمل الضخم، المكوّن من أربع آلاف صفحة، والذي أعاد الكاتب كتابته أربع مرات وبالتالي توسّع حجمه؛ عمل متواصل ولا نهاية له. وإذا كان ثمّة من جحيم في المكتبات، فهو قائم في هذا الكتاب. كذلك يمكن القول إنه لم يتضمّن أدب أي زمان عملاً فضائحيّاً مثله، وليس هناك من مثيل له في تجريحه العميق لمشاعر وأفكار الناس. مَنْ الذي بمقدوره اليوم مضارعة ساد في إباحيته؟ أجل، يمكننا طرح ادعاء كهذا: لم يُكتب أبداً أي عمل أكثر فضائحية منه. ألا يشكل هذا مبرراً للاهتمام به؟ لدينا حظ اللقاء بعمل لم يوفق أيّ كاتب، في أية لحظة، في الذهاب بمغامرته أبعد منه؛ وهذا يعني أننا نمتلك بمعنى ما، وتحت إمرتنا تقريباً، مطلقاً حقيقياً (un véritable absolu)، في عالم لا يعير الأدب سوى اهتمام نسبي، ومع ذلك، لا نحاوره؟ ولا نتخيّل حتى مُساءلته عمّا يجعله غير قابل للتخطّي، وما العنصر الأشد تطرفاً فيه، الذي يجعله عصيّاً إلى الأبد على الإنسان؟ عدم اكتراث غريب. أو لن تكون الفضيحة خالصة إلا بفضل عدم الاكتراث هذا؟ فإذا ما تأمّلنا التدابير التي اتخذها التاريخ لجعل ساد لغزاً خارقاً، وإذا ما تخيّلنا الأعوام السبعة والعشرين التي قضاها في السجن، أي ذلك الوجود المُغلق والمُحرّمِ، حينما لا يطال الحبس حياة المرء وحسب، وإنما مجرد بقائه حتى، إلى حدّ يصبح فيه إخفاء عمله بمثابة الحكم عليه، وهو ما زال حيّاً، بالسجن الأبديّ، حينئذ يتساءل المرء إذا ما كان المراقبون والقضاة الذين أرادوا دفنه بين الجدران قد وضعوا أنفسهم بالأحرى في خدمة ساد، وبأنهم حقّقوا بهذا الأماني الكبرى لدعارته (son libertinage)، هو الذي طالما حلم بالعزلة في أحشاء الأرض، ضمن غرابة وجود تحت أرضيّ ومنزوٍ. لقد صاغ ساد، عبر عشر طرق، فكرة أن التجاوزات الكبرى للإنسان تقتضي السريّة، العتمة والهاوية، وكذلك عزلة زنزانة لا يمكن اختراقها. والحالة هذه، من الغرابة أن يصبح حرّاس الأخلاق أنفسهم، أي أولئك الذين حكموا عليه بالمنع، متواطئين مع أقوى أشكال اللاأخلاقية (immoralité). فأم زوجته، السيدة مونتري (Madame Montreuil) المحتشمةِ، التي حكمت على حياته بالسجن، قد جعلت من تلك الحياة عملاً رائعاً للعار (infamie) والفسوق (débauche). وإذا ما زالت جوستين وجولييت تبدوان لنا، بعد مرور العديد من الأعوام، الكتاب الأشدّ فضائحية الذي يمكن قراءته، فلأن قراءته مستحيلةً تقريباً، وكذلك لأن الكاتب، الناشرين، والأخلاق العامة (Morale universelle)، قد اتخذوا كلّ التدابير بغية أن يظل الكتاب سرياً، ولا يمكن قراءته (illisible) أبداً، لا يُقرأ بحكم سعته، تركيبه، تخمته ومن جانب صرامة توصيفاته وضراوة فحشه أيضاً، التي لا يمكنها سوى دفعه بعجالة نحو الجحيم. كتاب فضائحيّ، لأنه ليس بمقدور المرء الاقتراب منه، ولا يمكن لأحد جعله كتاباً شعبياً. لكنه كتاب يظهر أيضاً بأنه ليس ثمة من فضيحة، إذا لم يكن هناك إجلال (respect)، وحيثما تكون الفضيحة خارقة، يكون الإجلال في ذروته. منْ الذي يتمتع بإجلال أكبر من ساد؟ كم هو اليوم عدد أولئك الذين يعتقدون بعمق أنه يكفيهم الاحتفاظ بين أيديهم للحظات بذلك العمل الملعون (œuvre maudit) لكي يتحقق القول الغروريّ لـ روسو: كلّ فتاة تقرأ صفحة واحدة من ذلك الكتاب سوف تضيع؟ يشكل إجلالاً كهذا قطعاً كنزاً بالنسبة للأدب والحضارة. كذلك لا يمكن للمرء منع نفسه من الجهر بحذر لكلّ الناشرين والمعقبين في الحاضر والمستقبل عن الأمنية التالية: في ساد، احترموا على الأقل الفضيحة.