الأحد، 24 مايو 2015

حين يصير تاريخ الفن ساديّاً: آني لو براه ولورانس دي كار

حاورتهما: فلوريل غييوم
ترجمة: حمو بوشخار   
 

                                                              

* أي صلة تقيمينها بين كتابات ساد والفنون البصرية؟

آني لو براه: كل منهجية ساد تقوم على طرح سؤال غير قابل للتمثيل (l’irreprésentable) المرتبط بالرغبة. التي تعد واحدة من اﻻنشغالات العظمى لتاريخ التمثيل. بقول ما ﻻ نريد رؤيته، سيحتم ساد القرن 19 على كشف ما ﻻ نعرف قوله بعد. هذا هو الحبل الرابط لهذا المعرض.

لورونس دي كار: تأخذ بالنسبة لنا، مسألة التأثير الباطني لفكر ساد في اﻻعتبار اﻻنقلابات التشكيلية والأسلوبية العظيمة للقرن 19 ولجزء كامل من القرن 20 . يوجد هنا تشكيك في المعايير التي هيمنت لقرون عدة والتي أخذت في اﻻنهيار بالإنطلاق من نهاية القرن 18. لقد انسحبت في تلك الفترة، اﻻدعاءات الدينية والأسطورية. وصارت مسألة حدود التمثيل مركزية. إنها واحدة من رهانات الحداثة.

آني لو براه: بالإنطلاق من صورة الجسد، كيف نجسد هذه القوى التي ترجّنا. الرغبة والعنف، هذا الذي نسميه شراً؟ لأنه إذا تمت مرة خلخلة التصور المسيحي للعالم وكذا أجهزته ﻻحتواء ما يستطيع الإقلاق، فالبلبلة هي في نهاية القرن 18، كانت كذلك ضخمة كالحرية التي تترتب عن ذلك. وساد بطريقة متميزة يوضح كل الرهانات.


* تتحدثون عن التأثير الباطني. لكن ألم يكن ساد مصدر إلهام لبعض الفنانين؟

آني لو براه: هذا الصنف من التأثير صعب التحديد. في القرن 19، ﻻ أحد يتباهى أنه قرأ ساد. كتبه ﻻ توجد اﻻ في طبعات مهربة. ومع ذلك، نجد أن فيش في لندن، أو غويا في بوردو  -فنانان حاضران في المعرض- استطاعا قراءته. فالطبعات المهربة عديدة إذن ويتم تداولها في مجموع أوروبا. هكذا عثرنا على نسخة من جوستين كانت في ملكية غوته. لكن بواسطة اليوميات، الملحوظات أو المراسلات، نعلم أن بودلير تزود منها، وأن فلوبير قد سلبته، واعتنى هويسمان بها بقوة... العلاقة بين الرسم والأدب كانت حينها ضيقة جداً، نستطيع تخيل أنه، بفعل قرب دوﻻكروا من بودلير كان على علم بها، على غرار رودان مع ميربو فيما بعد.
  
* كيف فكرتم في مسار المعرض؟

اني لو براه: لم نهيئ معرضاً تاريخياً وإنما اخترنا عدداً معيناً من التيمات، مع تعليق أردناه دون حواجز، أجل الحصول على آثار متجانسة بين الرسم القديم، الخاص بالقرن 19 والخاص بالقرن 20. نقطة انطلاق الفترة التي نغطيها مشوشة عن قصد. المقطع اﻻول، المعنون "إنساني، إنساني بإفراط، غير إنساني"، يميل لكشف أن كلّ ما تحدث عنه ساد وجد قبله بكثير ويشغل التشكيل، لكن داخل إطارات مرمزة كما في التشكيل الديني، الأسطوري أو التاريخي.

لورونس دي كار: هذا يهم طبعاً الجزء الأعظم من التشكيل الغربي ما بين النهضة ونهاية القرن 18. مشهد شهيد في كنيسة ﻻ يثير أحداً بل وكان محط تبجيل. ساد، بنظرته الوقحة، ومن دون مبرر فاسد، أسقط القناع. وهنا، نكون إزاء العنف الخالص.

آني لو براه: نحن نقف بطريقة شبه عشوائية عند 1966، لأنها الفترة التي بدأنا فيها العثور على ساد في المكتبة، بعد عشرين سنة من الحجز، من المحاكمة، ضد جون جاك بوفير، ناشره الرسمي الأول. من هنا كذلك حضور السورياليين في المعرض ماداموا، بين 1925 و1935، الوحيدين الذين رافقوا اكتشاف وطبع ما لم يسبق نشره من قبل موريس هاين.

* متن الأعمال المختارة يناهز حوالي 500 قطعة، ما الذي قاد اختياركم؟

لورونس دي كار: لقد انخرطنا في ممارسة حقيقية لتاريخ الفن. تاريخ تمت مراجعته انطلاقا من ساد. سمح هذا الأمر بإعادة اكتشاف عدد من الأعمال من زاوية جديدة، كما مع الخاصة بـ دوـا، مورو، آنــر، سيزان أو كوربي. أسماء كبيرة منحازة بوضوح إلى جانب الاستقلال. بالمقابل، لم نكن إلى جانب النزعة الأكاديمية والشكل الآخر من مسرحة العنف المتعارف عليه كثيراً. الفكرة كانت الذهاب نحو اكتشاف الهوامش. أو بالأحرى ما كان مهمشاً والذي سيتجه شيئاً فشيئاً لبلوغ مركز التمثيل مع السوريالية، التي اعتبرت الرغبة المبدعة الكبيرة للأشكال. تمنيناً كذلك نوعاً من اختلاط سجلات الصور: إلى جانب الأعمال الأكثر أيقونية ظهرت الرسومات الجريئة، مجموعة عن آخرها من التصويرات الشعبية التي ازدهرت والتي غرف منها الفنانون، التصوير، كذلك، بأهميته الهائلة بل والأشياء الغريبة نحو هذه الأجسام الرائعة التي من الشمع، التي أغوت ساد في فلورنسا.

اني لو براه: تلزم إضافة أن المعرض مهيكل بنصوص ساد، من خلال المخطوطات، الطبعات ولكن على الخصوص المقتطفات التي تجد صداها في استشهادات من القرن 19.
  
* هل التزمتما حدوداً؟ هل رأيتما أن بعض الأعمال غير قابلة للعرض؟

لورونس دي كار: الطريقة كانت مهمة من وجهة نظر المؤسسة مادمنا نلعب بالضبط مع الحدود المتعلقة بما نستطيع عرضه أو ﻻ في متحف. نادراً ما مارسنا بعض الرقابة على نفسَيْنا. لكن ركزنا اﻻنتباه بالخصوص على بعض المواضيع، لأن لدينا مسؤولية التواصل مع الزوار. ظاهرياً ليس هذا معرضاً لكل أصناف الجمهور. المعرض يهتم بأشياء غاية في الحميمية. وبالتالي، يستحيل أن نظل غير مبالين.

* فكر الماركيز دو ساد باستفادته من هذا الكم الكبير من المؤلفات، التظاهرات والتخليدات الرسمية، على قوته، أليس مهدداً في النهاية بأن يصير محاصراً؟

اني لو براه: من المؤكد أنه منذ أن رفع الحظر عن أعماله، تمت محاولة محاصرته بطرق عدة. ابتكر، في الآونة اﻻخيرة، خبراء المحاصرة، على الخصوص " الفحش الراقي" الذي صار سوقاً جديدة عبر الإشهار والموضة. لكن وجد منذ زمن طويل حصار فقهي، جامعي، مصر على جعل ساد فيلسوفاً لم يَكُنْهُ أساساً. أؤكد على أنه ضد الجميع، على " طريقته في التفكير"، ﻻ يكف عن قول انغراسه الفيزيقي، إن لم يكن الجنسي. إن كتب الفلسفة في الْـمَخْدَع (La philosophie dans le boudoir) فلكي يجعل الفلسفة في الـمخدع، وليس العكس... «نصرخ ضد العواطف، دون أن يدور في الذهن أن الفلسفة توقد المشعل الخاص بها من مشعلها.» هذا هو بالنسبة له محرك أي شيء وإذا ما خسرنا هذا الأمر، سنمر كلية بجانب ساد. ما جاء المعرض لتأكيده، كاشفاً كيف صادفت اهتماماته تلك المتعلقة بفكر الجسد الذي يتأكد عبر الرسم والنحت... كذلك، كيف أن عالماً مهووساً بصناعة حشود المستهلكين المتبدلين بالتناوب أﻻ يبحثون عن محاصرة فكر يتميز بإيقاد نار العواطف، ومن هناك، مساءلة الآليات الأخلاقية، الدينية، الاجتماعية التي تعمل مجتمعة لإتلاف البريق؟ البريق مفقود أم ﻻ، هذا هو السؤال الذي يريد هذا المعرض طرحه على كل واحد.


المرجع:  Beaux arts, n° 364, octobre 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق